جدل حول قدرة مصر على استيعاب الزيادة الكبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر
بعد وصول الاستثمارات إلى 11.1 مليار دولار
القاهرة: مروة مجدي
في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد المصري طفرة كبيرة في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ليصل خلال أقل من ست سنوات إلى نحو 22 ضعفا، تثار العديد من التساؤلات حول قدرة الاقتصاد على استيعاب الزيادة المطردة في هذه الاستثمارات، خاصة في ظل وجود نقص ملحوظ في متطلبات البنية التحتية في البلاد.
وقفز معدل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إلى 11.1 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي 2006 ـ 2007، بزيادة بلغت نسبتها 82% عن العام المالي السابق الذي وصل فيه إلى 6.1 مليار دولار.
كما وصل هذا المعدل من الاستثمار إلى ما يربو على 22 ضعفا ما تحقق خلال العام المالي 2001 ـ 2002 والذي بلغ خلاله 509.4 مليون دولار.
وأعادت هذه الزيادة الملحوظة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الأذهان ما ردده الدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار، عقب توليه مقاليد الوزارة عام 2004 حول أنه عندما يصل معدل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 8 مليارات دولار فإن الحكومة ستقوم حينها بوضع شروطها للسماح بدخول هذه الاستثمارات، الأمر الذي يدفع حاليا باتجاه الإلحاح في التساؤل حول ما إذا كان الوزير المصري يرمى إلى أن البلاد ببنيتها التحتية لا تتحمل ما يفوق هذا الرقم من الاستثمارات، أم أنه كان يقصد أن مصر ستحقق مركزا مقبولا في جذب الاستثمارات يشجعها على فرض شروطها في جذب رؤوس أموال لتنمية قطاعات بعينها تشجع على التنمية الاقتصادية للبلاد.
وقال محمود محيي الدين لـ«الشرق الأوسط» إن من السابق لأوانه القول إن مصر حققت ما تصبو إليه من استثمارات أجنبية مباشرة، مضيفا أن البلاد بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات خلال السنوات المقبلة لتحقيق التنمية المطلوبة.
وأكد محيي الدين أنه لا يمكن أن تتوقف الحكومة عن جذب الاستثمارات تحت دعوى أن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المصري لا تتحمل ذلك بسبب وجود نقص في متطلبات البنية التحتية والنقل والطرق والموانئ والعمالة المدربة.
وأضاف أنه لو تم اتباع هذا المنهج من البداية لما تم تحقيق شيء، مشيرا إلى أن الذي يريد جذب الاستثمار عليه أن يعمل على محوري التركيز على زيادة الاستثمارات المتدفقة وتأهيل البنية التحتية لاستقبال هذه الاستثمارات.
ورأى وزير الاستثمار أن نقص البنية التحتية من الممكن أن يشكل إحدى الفرص الكبيرة للاستثمار في مصر، ولهذا تم إطلاق سياسة الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة المعروفة بنظام الـ PPP والذي يمكن من خلاله السماح للقطاع الخاص بدخول مجالات البنية التحتية مع القطاع الحكومي.
وقال إنه لا يستطيع التنبؤ برقم للاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الجاري 2007 ـ 2008، لكنه أعرب عن ثقته باستمرار عمليات الترويج بذات القوة منذ تولي الحكومة الحالية أمور البلاد قبل نحو ثلاثة أعوام .
كما حذر من حدوث نوع من التراخي في جذب الاستثمارات بعدما تحقق من معدلات خلال السنوات القليلة الماضية، مضيفا أن الإصلاحات التي تحققت خلال هذه السنوات وساهمت في تغيير نظرة المستثمرين الأجانب لمصر لن تعمل وحدها على استمرار تدفق الاستثمارات، وإنما لا بد من عمل مستمر مهما تحقق من أرقام. ويبدو أن الحكومة المصرية تتجه حاليا لترتيب أوراقها بشكل أكثر هدوءا وتعقلا في جذب الاستثمارات وزيادة معدلات النمو، مقارنة بما حدث في السابق، وهو ما اتضح عند الإعلان عن السياسات الجديدة لأسعار الطاقة التي تعد الأرخص في العالم ما يجعلها إحدي الميزات الأساسية في جذب الاستثمار الأجنبي إلى مصر وتجاه الدولة متمثلة في وزارة الاستثمار بتوجيه الاستثمارات إلى الوجه القبلي جنوب البلاد وسيناء شمال شرقها والتي تشهد نسبة كبيرة من الفقر والبطالة.
وتعد هذه مؤشرات دالة على الاتجاه إلى تباطؤ معدلات نمو الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، وان كان البعض يرى أن العبرة ليست بجذب الاستثمار فقط، وإنما بمدى كونه منتجا ويخلق فرص عمل، خاصة في ظل احتياج السوق المصري إلى المزيد من هذه الاستثمارات شريطة أن نضع شروطا فنية ذكية يمكن من خلالها توجيه الاستثمارات المتدفقة لتكون ذات أولوية طبقا لاحتياجات البلاد.
وأيد هذا الرأي وزير الصناعة الأسبق، الدكتور إبراهيم فوزي، مشيرا إلى ضرورة عدم الاكتفاء بالأرقام فقط أو الركون إلى مؤشرات البنك الدولي، ولكن الأهم كم من الاستثمار الأجنبي المباشر اتجه إلى مشروعات جديدة وخلق مزيدا من فرص العمل.
وشدد فوزي على ضرورة قيام الحكومة بانتقاء الاستثمار ومحاسبتها على ذلك، مشيرا إلى انه لا بد من توقف الاتجاه نحو الصناعات كثيفة الطاقة لأنها غير متجددة، وهذا ما ينطبق على الثروات المعدنية مثل الفوسفات والرخام.
ومن جانبها طالبت عاليا المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، بضرورة وضع مخطط لتوجيه الاستثمارات إلى أماكن بكر سواء في الصعيد أو سيناء، مع تقديم حوافز للمستثمرين كالأراضي المرفقة الرخيصة. وأضافت أنه لا بد من تشجيع الاستثمار المصري أيضا للوصول إلى معدل أكبر للاستثمار الأجنبي المباشر، مشيرة إلى أنه ما تزال هناك حاجة إلى الوصول بالاستثمار الأجنبي إلى 30% من إجمالي الناتج القومي، مقابل 22% حاليا التي تعد نسبة متواضعة جدا برغم تحسنها عما سبق خلال الأعوام السابقة. وفي هذا السياق أكد أحمد صبور، رجل الأعمال المصري، أن السوق المحلي يستوعب الكثير من ضخ الاستثمارات الأجنبية المباشرة تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، مشيرا إلى أن الاستثمار ليس عيبا وإنما يحتاج إلى تفكير وخطط جدية في كيفية استغلاله في مشروعات جدية تدفع باتجاه التنمية.
ومن جانبه اقترح الدكتور محمود عبد الحي، رئيس المعهد القومي للتخطيط، سابقا، أن تقوم الحكومة بعرض مجموعة من المشروعات الإنتاجية المحددة كل عام في مجالي الزراعة والصناعة، وتوجيه الاستثمارات إليها على أن يكون ذلك خارج الوادي الضيق، وأن يقوم المستثمر بعمل المرافق مقابل منحه امتيازا لاستغلال هذه المرافق. وأشار عبد الحي إلى ضرورة أن يكون إنتاج المشروعات المقامة من خلال الاستثمارات الأجنبية موجها في جزء كبير منه إلى الخارج حتى تستفيد الدولة من عائدات هذه الصادرات، وذلك على عكس ما يكون فيه الإنتاج موجها للسوق المحلي.