بطاقات الائتمان...ولدت على مائدة عشاء أمريكية...وغزت العالم
بطاقة الائتمان هي البطاقة الخاصة التي يصدرها مصرف تجاري أو شركة متخصصة للعميل لكي تمكنه من شراء السلع أو الخدمات من المحلات و الأماكن المعتمدة، عند تقديمه لهذه البطاقة. ويطلق البعض على هذه البطاقات مصطلح النقود البلاستيكية. ويعتقد كثيرون أن البطاقات الائتمانية ستحل محل النقود بشكل نهائي عاجلاً أم آجلاً.
فما هي قصة بطاقات الائتمان؟
قد لا يكون مصطلح الائتمان دقيقاً في التعريف بهذه التقنية الشرائية الحديثة، كريديت كارد، ولكن هذا ما اصطلح عليه عربياً. والإئتمان في اللغة هو عملية مبادلة ذات قيمة في الحاضر مقابل وعد بالدفع في المستقبل. ويتطلب حصول العميل على بطاقة الائتمان موافقة من الجهة المانحة للبطاقة، والتي تكون في الغالب مصرفاً تجارياً أو في بعض الأحيان شركة متخصصة في إصدار هذه البطاقات.وبموجب هذه البطاقة يمكن للمستخدم دفع قيمة مشترياته، بالتوقيع على فاتورة تحوي تفصيلاً لتاريخ الشراء والقيمة المستحقة، على ألا تتجاوز قيمة المشتريات الحد الأقصى المحدد للبطاقة.
ووفقاً للأنظمة الإلكترونية الحديثة، فقد تمت إضافة شريط ممغنط على كل بطاقة يمكن من خلاله التأكد في غضون ثواني معدودة من كافة المعلومات المطلوبة لإتمام عملية الشراء.
وتتيح بطاقات الائتمان الاستفادة من خدمات الدفع عبر الهاتف وفي عمليات الشراء الإلكتروني عبر الإنترنت، وذلك من خلال الرقم السري الخاص بالبطاقة.
ومع نهاية كل شهر يتم إرسال فاتورة مفصلة لحامل بطاقة الائتمان تتضمن المبالغ المستحقة عليه والذي يفترض به دفع حد أدنى منها خلال مدة زمنية معينة، كما يمكنه أن يدفع أكثر من الحد الأدنى أو أن يسدد كامل المبلغ إذا أراد ذلك.
ويتم إضافة نسبة فائدة شهرية على المبلغ المتبقي تصبح تراكمية في حال عدم سداد الحد الأدنى من الدفعات.
وتسمح الأنظمة والشروط التي تعتمدها الجهات المانحة لبطاقات الائتمان بتحقيق نسبة وفر لمستخدمي البطاقات إذا ما تمكنوا من وضع سياسة واضحة لتعاملاتهم مع هذه البطاقات. كما تقدم هذه الشركات عروضاً ترويجية وهدايا وجوائز يمكن أن تكون في بعض الأحيان مبالغ مالية نقدية لمستخدمي البطاقات.
البداية.. عشاء مكنمارا الشهير
تعد بطاقات الائتمان من أنجح ابتكارات القرن الميلادي العشرين لأنظمة الدفع الآجل. وبدأ استخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1920م لتسديد قيمة وقود المركبات في بعض المحطات المخصصة لذلك. وتزايد عدد شركات الوقود التي توفر هذا النوع من التسهيلات لعملائها في منتصف الثلاثينات من القرن الميلادي الماضي. غير أن الظهور الأول لبطاقات الائتمان بمفهومها الحالي بدأ بحادثة طريفة تعرض لها فرانك إكس.مكنمارا، رئيس شركة هاملتون للائتمان في عام 1949م عندما دعا اثنين من رفاقه إلى العشاء في أحد المطاعم الشهيرة في مدينة نيويورك، وذلك لمناقشة مشكلة تعرض لها أحد زبائنه. وكانت مشكلة الزبون أنه أعطى لجيرانه الفقراء بطاقاته المخصصة لتعبئة الوقود، ولكنهم لم يتمكنوا من تسديد المبالغ المستحقة عليهم، كما لم يتمكن الرجل أيضاً من دفع هذه المبالغ بعد تراكمها، مما دفعه للجوء إلى شركة هاملتون.
وعندما انتهى العشاء وأراد مكنمارا أن يدفع ثمنه نقداً للمطعم فوجئ بأنه قد نسي محفظته في المنزل، مما سبب له حرجاً شديداً وتطلب الأمر أن يتصل بزوجته لتأتي بنفسها إلى المطعم وتحضر معها النقود.
ما حدث في تلك الليلة كان دافعاً قوياً لمكنمارا لأن يجد طريقة تحميه من الوقوع في مثل هذا الموقف مرة ثانية، كما يمكنها أيضاً حل مشكلة عميله. وابتكر مع صديقيه فكرة إصدار بطاقة ائتمان يمكن استخدامها في أي وقت وأي مكان، حيث أنشأوا أول شركة مانحة لبطاقات الائتمان متعددة الاستخدامات في عام 1951م عرفت بداينرز كلب، وهو اسم مستوحى من العشاء الذي كان سبباً في إيجاد الفكرة.
وقد وفرت الشركة الجديدة للمستهلكين بطاقات يمكن من خلالها التسوق من مجموعة من المحلات، بحيث تقوم الشركة بالتسديد لأصحاب المحلات وتقديم تسهيلات في الدفع للزبائن، وذلك مقابل 7% من قيمة كل عملية شرائية، إضافة إلى 3 دولارات كأجر سنوي للاشتراك في الخدمة.
ومنحت أول دفعة من البطاقات لمائتي شخص من أصدقاء ومعارف أصحاب الشركة، واشترك بهذه الخدمة 14 مطعماً في مدينة نيويورك، وكانت البطاقة آنذاك مصنوعة من الورق المقوى ومكتوب على ظهرها أسماء جميع المحلات المشاركة. وظلت شركة داينرز كلب الوحيدة التي تقدم هذه الخدمة حتى عام 1958م حين ظهرت بطاقتي أمريكان إكسبرس وبنك أوف أمريكا التي أصبحت تعرف فيما بعد بفيزا. وكان أول ظهور لماستر كارد في منتصف عام 1966م عندما اتحدت مجموعة من المصارف المانحة لبطاقات الائتمان، لتطلق البطاقة ماستر تشارج.
وتزايد الطلب على بطاقات الائتمان في الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما من قبل أولئك الذين تتطلب طبيعة عملهم التنقل بين المدن بحيث لا يمكنهم التعامل مباشرة مع حساباتهم البنكية. وعلى خلاف الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة اللتين ازدهرت فيهما أسواق بطاقات الائتمان في مراحل مبكرة من القرن الميلادي العشرين، فإن دولاً أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا والسويد ظلت تفضل الدفع النقدي حتى بداية عقد التسعينات من القرن الميلادي العشرين.
حلول دفع إلكترونية
وقد أسهم التقدم المعلوماتي في تعزيز الحاجة إلى حلول دفع إلكترونية وذلك مع توسع أنواع الخدمات المقدمة إلكترونياً، لاسيما الحكومية منها والتي تتطلب جميعها تسديد الرسوم عبر الإنترنت باستخدام بطاقات الائتمان. ومع توسع استخداماتها وإقبال المستهلكين من العديد من الفئات والقطاعات الشرائية عليها، تتسابق الشركات المانحة لبطاقات الائتمان في تقديم الميزات والحوافز التي تساهم في تلبية احتياجات مختلف المتعاملين.
وتمتلك شركات أمريكان إكسبريس وسيتي وديسكفر وماستر كارد وفيزا الحصص الكبرى من أسواق بطاقات الائتمان في العالم.
فيزا الأكثر انتشاراً
وتعد فيزا إنترناشيونال سيرفيس أسوسيشن تجمعاً لأكثر من 21 مؤسسة مالية تتخصص في إطلاق وتسويق بطاقات فيزا التي بدأت إصدارها في عام 1976م. وتتميز فيزا عن بقية الشركات المانحة لبطاقات الائتمان بأنها تصدر بطاقات الحسم الفوري فيزا إلكترون مما يوفر تسهيلات إضافية لشريحة متنوعة من المستهلكين يمكنهم باستخدامها الدفع من حساباتهم بدون الحاجة إلى حمل مبالغ نقدية، إضافة إلى سحب المبالغ النقدية من أجهزة الصراف الآلي في جميع أنحاء العالم بشكل آمن ومريح وبعيداً عن أي إجراءات معقدة. وتضم الشبكة الحالية لبطاقات فيزا أكثر من مليون جهاز صراف آلي حول العالم تتعامل ببطاقات فيزا وفيزا إلكترون. وتنتشر تلك الأجهزة في حوالي 160 بلداً. وبهذا تكون بطاقات فيزا هي الأكثر انتشاراً حول العالم لما توفره تلك البطاقات من خدمات وحلول مناسبة تتناسب والاحتياجات اليومية لحامليها.
البطاقات الإئتمانية في دول الخليج العربي
تتميز دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأعلى المعدلات من حيث القوة الشرائية مما يجعلها أرضاً خصبة لتوسيع عمليات الشركات المهتمة بهذا القطاع.
ويفوق معدل استخدام بطاقات الائتمان في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نظيره في دول جنوب آسيا وأفريقيا.
السعودية.. السوق الأكبر
تشهد سوق البطاقات الائتمانية في المملكة العربية السعودية نسب نمو عالية. وتقدر المصادر المالية سوق البطاقات بحوالي 800 ألف حساب بطاقة ائتمانية، في حين يصل عدد العمليات التي تشهدها السوق السعودية إلى نحو 400 مليون عملية، فيما تقدر حسابات هذه العمليات من خلال الشبكة السعودية والمصارف بأكثر من 300 مليار ريال سعودي، مما يضعها في مقدمة أسواق بطاقات الإئتمان في منطقة الشرق الأوسط.
كما شهدت سوق بطاقات الائتمان في السنوات الأخيرة توسعاً ملحوظاً في منظومة البطاقات المصرفية الاسلامية ودخلت جميع المصارف السعودية حلبة التنافس في هذا المجال، كل وفق برامجه وخططه. وجميع هذه البطاقات تتوافق مع الشريعة الاسلامية وهي مجازة من الهيئات الشرعية في البنوك.
مؤشرات أخرى
وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بين أكثر دول الشرق الأوسط استخداماً لبطاقات الائتمان.وقد أظهر استبيان لأسلوب حياة المستهلك أجري مؤخراً قيام 50% من حاملي البطاقات في الامارات العربية المتحدة باستخدام بطاقاتهم ما بين 6 و10 مرات خلال شهر واحد، فضلاً عن قيام 32% منهم باستخدامها من 3 إلى 5 مرات خلال ذات الفترة. وتخطت قيمة أغلبية هذه العمليات الشرائية حاجز ال300 دولار أمريكي.
وفي المملكة العربية السعودية، تفوقت عمليات الشراء الصغيرة والمتوسطة بواسطة بطاقات الائتمان على العمليات الكبيرة، حيث تراوحت قيمة 56% من عمليات الشراء بواسطة بطاقات الائتمان في المملكة العربية السعودية بين 30 و 300 دولار أمريكي، في حين قام 26% من حملة البطاقات بإنفاق أقل من 30 دولاراً أمريكياً بواسطة بطاقاتهم الائتمانية.
وفي دولة الكويت، قام 36% من حاملي البطاقات باستخدام بطاقاتهم بصورة متكررة خلال شهر واحد وصلت إلى 10 مرات، كما استخدم أكثر من 30% من حاملي بطاقات الائتمان في جمهورية مصر العربية بطاقاتهم في عمليات الشراء من 6 إلى 10 مرات خلال شهر واحد.
وتحظى عمليات الدفع باستخدام بطاقات الائتمان بقبول واسع في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، وذلك بسبب توفر عوامل الأمان المناسبة لهذه البطاقات، وإيفائها بالمتطلبات الائتمانية للمستهلكين في هذه الدول.
وفي سلطنة عمان، شهدت عمليات الشراء باستخدام البطاقات الائتمانية إقبالاً كبيراً في الآونة الأخيرة من قبل كافة شرائح المستهلكين.
وارتفعت نسبة الشراء باستخدام البطاقات إلى ما يزيد على 35% في بعض المحلات والمراكز التجارية، بعد أن كانت قبل ثلاث سنوات لا تتعدى 5% فقط.
وقد حازت النساء في سلطنة عمان على النصيب الأكبر من عملية الشراء بالبطاقات، حيث مثلت نسبة النساء اللاتي أجرين عمليات شرائية باستخدام البطاقات 80% من مجموع العمليات المنجزة.
مزايا وأضرار
يرى بعض مستخدمي بطاقات الائتمان فيها وسيلة مهمة للادخار في صورة تختلف عن وسائل الادخار المألوفة، على اعتبار أن البطاقة تسمح لهم بالحصول على مشتريات لم يكونوا ليحصلوا عليها لولا امتلاكهم لبطاقة الائتمان والتي سيضطرون إلى تسديد فواتيرها بعد ذلك، مما يعد شكلاً من أشكال الوفر.
وفي المقابل فإن النسبة الأكبر من حملة بطاقات الائتمان في العالم العربي ذوي الطبيعة النهمة في الشراء، يعانون بعد فترة من تراكم المبالغ الواجب تسديدها وعدم الإحساس مطلقاً بقيمة النقود، حيث تشجعهم البطاقة على شراء ما يلزم وما لا يلزم، فقط لأنهم يستطيعون شراءه ودفع ثمنه بهذه الوسيلة الفورية. لكن هناك نسبة قليلة من حملة البطاقات العرب هي التي تحسن إدارة ميزانياتها بمساعدة بطاقات الائتمان وذلك بخلق سياسة ثابتة للاستهلاك والسداد تسمح لهم بالتمتع بمزايا البطاقة وتبعد عنهم مشكلاتها.
التقنيات وأمن البطاقات
يتزايد اهتمام شركات بطاقات الائتمان بسوق الشرق الأوسط الواعدة لإدخال تقنياتها الحديثة، مما يشير إلى أهمية هذه السوق كواحدة من أسرع الأسواق العالمية نمواً بالنسبة لبطاقات الائتمان.
ويواجه أمن بطاقات الائتمان تحديات كبيرة أمام عصابات الاحتيال التي شكلت سوقاً سوداء تتركز خطورتها في إمكانية سرقة البطاقات وإجراء عدد من العمليات الشرائية بشكل سريع قبل أن يتم تسجيل سرقة البطاقة. وتسعى شركات بطاقات الائتمان إلى تقليل عمليات الاحتيال إلى الحد الأدنى الممكن، ولكن ليس إلى القضاء عليها، حيث سيتكلف ذلك ميزانيات ضخمة تؤثر بشكل سلبي على أرباح هذه الشركات.
وتتم معظم عمليات الاحتيال من خلال سرقة معلومات بطاقات الائتمان بواسطة لصوص الإنترنت مما يجعل الشراء الإلكتروني أخطر وسائل استخدام بطاقات الائتمان.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير مستويات الأمن في عمليات الشراء الإلكترونية التي تعتمد بطاقات الائتمان، فإن التطبيقات السيئة لبعض الأنظمة والمواقع الإلكترونية لا تزال تشكل خطراً على أمن البطاقات.
فعلى سبيل المثال، ترسل بعض المواقع المعلومات المدخلة من المستخدم حول بطاقة ائتمانه، بواسطة بريد إلكتروني للشخص المسؤول عن إتمام عملية الشراء مما يخل بسرية هذه المعلومات، بينما تعرض بعض المصارف حلول دفع متطورة بإمكانها إتمام كافة مراحل عملية الشراء بدون تدخل بشري.
وكلنا يذكر تلك الحادثة الشهيرة التي تمت قبل عامين عندما سرقت معلومات ما يزيد على 40 مليون حامل لبطاقات الائتمان في ما اعتبر حينئذ أكبر اختراق للبيانات. وتضمنت البطاقات ال 40 مليوناً، ما يقرب من 13.9 مليون بطاقة تحمل اسم شركة ماستركارد و 20 مليون بطاقة فيزا، أما العدد الباقي فيخص شركات أخرى مثل أمريكان إكسبريس وديسكفر وغيرها. وجرت عملية الاختراق بداخل شركة كارد سيستمز سولوشنز التي تقوم بمعالجة بيانات بطاقات الائتمان بنظام الطرف الثالث. وقد استطاع المخترق استغلال ثغرات أمنية لتعطيل شبرد سيستمز سولوشنز والدخول إلى بيانات حاملي البطاقات.
لكنه ورغم المخاطر التي تحدث أحياناً، تظل بطاقات الإئتمان تلك النقود البلاستيكية التي تحقق رغبات الإنسان في أي وقت ومن أي مكان، والتي تسهل عليه حياته دون عناء حمل النقود وما يصاحبها من مشاكل وهواجس لا تنته